الصفحة الرئيسية

الزائدة الدودية

لها من اسمها الكثير.

هي زائدة ، بمعنى أن لا فائدة منها ولا وظيفة لها، ولا معنى لوجودها

وهي دودية بمعنى أنها لا تعيش ولا تكبر أو تنتفخ إلا بعد امتلاء تجويفها بالإفرازات والصديد والسوائل. وهي بعد هذا وذاك صغيرة الحجم، لا يزيد طولها عن 3 أو 4 بوصات ولا يزيد عرضها عن بوصة واحدة ، ومع أن تشخيص التهاب الزائدة سهل وبسيط، وعلاجها متيسر ومعروف، إلا أن التهاون الذي يظهره البعض في التعامل معها، أو الخوف غير المبرر من استئصالها في الوقت المناسب يؤدي إلى  انتفاخها وانفجارها  وخروج ما فيها من قيح وصديد وبكتيريا مسببة تلوث كامل التجويف ألبطني بحيث تصبح حالة مرضية خطيرة، تهدد حياة المريض في أغلب الأحيان.

ولأن لكل أمر خلقه الله حكمة وموعظة، فإن أمر الزائدة الدودية درس مفيد في فهم بعض جوانب الواقع السياسي والاجتماعي لعالمنا العربي والإسلامي؛ فبعض القوى السياسية، تلعب دور الزائدة الدودية في حياتنا، فهي تتقن العيش على الهامش تقتات على الفتات الذي تناله بالتزلف، أو بالتلفع برداء البراءة والاستقامة، حتى إذا ما كبرت وتضخمت انفجرت في وجه كل من يحيط بها، مخلفة الخراب والاضطراب، ومشيعة الخوف وعدم الاستقرار. ولعل جماعة الإخوان المسلمين التي بدأت كحركة إصلاحية اجتماعية في مستهل القرن الماضي أفضل مثل على تلك القوى. فقد استغلت العاطفة الدينية، والتزام الشعوب العربية والإسلامية الفطري بالدين، لتعمل كخفافيش الظلام متحينة الفرص، لعلها تقتنص دورا هنا أو مكسبا هناك، بغض النظر عما إذا كان هذا الدور أو ذلك المكسب يتفق مع ما تطرحه من أفكار أو ينسجم مع ما تحمله من أيدولوجيات. وكانت لا تمانع في سبيل ذلك في أن تقتات على مصائب الناس وآلامهم، أو أن تتلاعب بعواطفهم وآمالهم.

والمتابع لمسيرة هذه الجماعة يلاحظ قدرتها على تبديل تحالفاتها وتغيير مواقعها من الأنظمة والقوى السياسية التي عملت في خدمتها أو قريبة منها. فكانت تعمل في بعض الأحيان بحماس وتفان حسب الدور المرسوم لها، ثم لا تلبث أن تكون في الخندق المقابل تقاتل أو تعارض بشراسة نفس القوى التي تحالفت معها واستقوت بها. وقد نجحت الجماعة في أن تلعب نفس اللعبة في أكثر من مناسبة وبأكثر من صورة. فتحالفت مع الغرب بذريعة التصدي للشيوعية والقومية، وتصادمت معه بعد انهيار المعسكر الشرقي إثر الفشل في أن تكون وكيلا عنه في المنطقة. وتحالفت مع نظم انقلابية في أكثر من دولة عربية أملا في أن تواتيها الفرصة لتنقلب على الانقلاب وتمسك بزمام السلطة، وهو ما حاولته مع جمال عبد الناصر في بداية حكمه، ومع خلفه أنور السادات الذي حاول توظيفهم والإستقواء بهم في مواجهة تيار اليسار والقوى الناصرية والقومية، وتكرر ذلك في السودان ومع حركة الإنقاذ التي قادها البشير، حيث سرعان ما انفرط التحالف بينهما  بعد أن أسفرت الجماعة عن مطامعها الحقيقية وهي الانفراد بالسلطة والتمسك بها.

وها هي اليوم وبعد أن فشلت في تحقيق هدف الوصول إلى الحكم عن طريق القوى الانقلابية أو من خلال الاستقواء الخارجي، تركب موجة الديمقراطية وتقدم نفسها للغرب على أنها الشريك المنتظر، الذي يقبل الآخر وينفتح عليه، متنازلين عن شعاراتهم التي رفعوها عقودا من الزمن وأدخلوا فيها العالم العربي والإسلامي، في دوامة من العنف وعدم الاستقرار. والمفارقة أن الحيلة الجديدة تكاد تنطلي على بعض القوى الغربية، فبادرت إلى التصالح مع هذا التيار ودعمه وتمكينه من الوصول إلى السلطة التي كانت هدفه الأسمى على الدوام. ورغم خطورة هذه التجربة فإن الغرب لن يكون الخاسر الوحيد فيها، حيث ستدفع شعوب المنطقة الثمن بالكامل من أمنها واستقرارها فضلا عن مواردها وثرواتها عندما تجد نفسها في دوامة جديدة من عدم الاستقرار وفي أوضاع لا تقل سوءً عن الأوضاع التي كانت فيها قبل الربيع العربي. فحكم جماعة الإخوان الذي سيمتد من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق سيكون أمام استحقاقات لا قبل له بها وسيجد نفسه في مواجهة مطالب الناس وسيكون فشله المؤكد في تحقيقها بداية مرحلة لا تكون صناديق الاقتراع ولعبة الانتخابات هي الفيصل في هذه المواجهة، وإنما ساحات العنف والعنف المضاد الذي سيكون عابرا للحدود ومتجاوزا لكل الضوابط والقيود. وجماعة الأخوان التي عرفت العنف في بعض مراحل عملها وكانت ماكينة لتفريخ كثير من قوى التطرف حتى وهي في صفوف المعارضة، ستكون وقد أصبحت في الحكم، أكثر عنفا من أي وقت مضى، وهي لن تتورع عن توظيف مقدرات الشعوب التي تحكمها لفرض رؤيتها والانفراد في السلطة والبقاء في الحكم، بل وتأمين توريثه جيلا بعد جيل، وعندها سيدرك الجميع استحالة العلاج، لأن استئصال هذه الزائدة السياسية سيكون صعبا والجراحة ستكون خطيرة، لا على الدول التي تحكمها أنظمة الجماعة فقط بل على المنطقة والعالم برمته.

قد فطن بعض الأطباء للمخاطر التي قد تنتج عن التهاب الزائدة الدودية، فكانوا يبادرون إلى استئصالها وبترها عند القيام بأي عملية جراحية رئيسية، استباقا لأي مخاطر قد تنتج عن التهابها مستقبلا، فهل تفطن القوى المؤثرة  في العالم ، إلى أن  الحكمة تتطلب ألا يسمح لزائدة سياسية من نوع جماعة الإخوان المسلمون أن تنتفخ وتتضخم وتعيث في الأرض فسادا فتبادر إلى استئصالها وبترها؟

لقد أكدت التجارب أن اجتثاث الداء أسرع طرق الشفاء حتى لو بدا الاجتثاث مؤلما وقبوله صعبا، وقديما قالوا درهم وقاية خير من قنطار علاج.

html tracking
Vostro Mini Towers